کد مطلب:167897 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:242

هلع السلطة الامویة من خبر خروج الامام
روی ابن قتیبة الدینوری أنّ عمرو بن سعید بن العاص والی مكّة حینما بلغه خبر خروج الامام الحسین علیه السلام عن مكّة المكرّمة قال: (إركبوا كُلَّ بعیر بین السماء والارض فاطلبوه!)، فكان الناس یعجبون من قوله هذا، فطلبوه فلم یُدركوه! [1] .

ومع أنّ لنا تحفّظاً علی هذا الخبر من جهة أنّ الثابت تأریخیاً أنَّ الامام علیه السلام لم یخرج عن مكّة سرّاً وإنْ كان خروجه فی السحر أو فی أوائل الصباح، إذ كان الامام علیه السلام قد خطب الناس فی مكّة لیلة الثامن من ذی الحجة خطبته الشهیرة التی قال فیها:

(من كان باذلاً فینا مهجته، وموطّناً علی لقاء اللّه نفسه، فلیرحل معنا، فإننی راحلٌ مصبحاً إن شاء اللّه تعالی). [2] .

وعلی هذا فإنّ خبر موعد خروجه علیه السلام كان قد انتشر بین الناس فی مكّة قبل خروجه، أ ی فی ذات اللیلة التی خرج فی أواخرها أو فی أوائل صباحها، ومن


الطبیعی ان تكون السلطة الامویة فی مكّة قد علمت بهذا الموعد كما علم الناس فی مكّة علی الاقل من خلال جواسیسها وعیونها.

ومن جهة أخری فإنّ الركب الحسینیّ الخارج عن مكّة وكان كبیراً نسبیاً أوائل الخروج لایمكن أن یبعد كثیراً عن مكة فیختفی بهذه السرعة وفی تلك الفاصلة الزمنیّة القصیرة عن الانظار حتی یُطلب فلایُدرك!

هذا مع أنّ المشهور تأریخیاً أنّ رُسل عمرو بن سعید ورجال شرطته قد أدركوا الركب الحسینیّ فی أوائل طریقه نحو العراق!

غیر أنَّ الامر المهمّ الذی یكشف عنه هذا الخبر هو الهلع الكبیر والذعر البالغ اللذان انتابا السلطة الامویة لخروج الامام علیه السلام بالفعل، حتی كأنَّ والی مكّة آنذاك أراد أن یُعبّیء كلّ واسطة بین السماء والارض ویسخّرها لمنع الامام علیه السلام من الخروج عن مكّة!

لقد عظم خروج الامام علیه السلام عن مكّة علی السلطة الامویة لانّ هذا الخروج كان معناه انفلات الثورة الحسینیّة من طوق الحصار الذی سعت السلطة الامویة إلی تطویقها به فی المدینة المنوّرة ففشلت، ثمّ جهدت فی سبیل ذلك فی مكّة أیضاً، طمعاً فی القضاء علی هذه الثورة فی مهدها قبل انفلاتها من ذلك الحصار، من خلال القضاء علی قائدها بإلقاء القبض علیه أو اغتیاله أو قتله بالسمّ فی ظروف مفتعلة غامضة تستطیع السلطة الامویة أن تِلقی فیها بالتهمة علی غیرها، وتغطّی علی جریمتها بألف ادّعاء، وقد تطالب هی بدمه بعد ذلك فتضللّ الامّة وتظهر للناس ‍ بمظهر الاخذ بثاءر الامام علیه السلام، فتبقی مأساة الاسلام علی ما هی علیه، بل تترسّخ المصیبة وتشتدّ!

إذن فخروج الامام علیه السلام عن مكّة المكرّمة فی ذلك التوقیت المدروس كما فوّت علی السلطة الامویة الفرصة للتخلّص من الامام علیه السلام بطریقة تختارها هی، وتتمكن من الاستفادة منها إعلامیاً لتضلیل الامّة، كذلك فقد فوّت علیها فرصة


تطویق الثورة ومحاصرتها وخنقها، إذ كان (خروجه علیه السلام من المدینة وكذلك من مكة فی الاصل انفلاتاً بالثورة المقدّسة من طوق الحصار والتعتیم الامویّ، إضافة الی خوفه علیه السلام من أن تُهتك حرمة أحد الحرمین الشریفین بقتله). [3] .

إذن فقد حقَّ لبنی أمیّة أن یهلعوا لخروج الامام علیه السلام، لانّ هذا الخروج حرمهم من أن یرسموا هم فصول المواجهة مع الامام علیه السلام، وأن یختاروا هم الظروف الزمانیة والمكانیة والاعلامیة لهذه المواجهة، فی وقت (كان الامام علیه السلام حریصاً علی أن یتحقّق مصرعه الذی كان لابدّ منه ما لم یبایع فی ظروف زمانیة ومكانیة یختارها هوعلیه السلام، لایتمكّن العدوّ فیها أنْ یعتّم علی مصرعه، أو أنْ یستفید من واقعة قتله لصالحه، فتختنق الاهداف المنشودة من وراء هذا المصرع الذی أ راد منه علیه السلام أن تهتزّ أعماق وجدان الامّة لتتحرك بالاتجاه الصحیح الذی أراده علیه السلام لها.). [4] .


[1] الامامة والسياسة، 2:3؛ والعقد الفريد، 4:377.

[2] مثير الاحزان: 41؛ واللهوف: 25.

[3] و الجزء الاوّل من هذه الدراسة: ص 376.

[4] و الجزء الاوّل من هذه الدراسة: ص 376.